من الطبيعي أن تكون على موعد مع حبيب ، أو صديق أو جار ليتناول معك الفطور ويقضي معك صباح جميل ترتشف معه قهوتك اللذيذة وتستمتع بالمحادثة وأنت تنقل أحداث أسبوعك ، ولكن الغريب في الأمر أن بطل قصتنا يلتقي أسبوعيا بامرأة لا يعرفها أحد لم يراها أي مخلوق سواه ، وفِي لحظات اللقاء الصباحي عندما يطرق بابه زائر فجأة يستدعيه للدخول ليعرفه على حرية الخفاء ولكن الزائر لا يرى أحدا يجالس صاحب البيت غير أن ما يلفت انتباهه فنجانين قهوة ورغيفين خبز وصحنين وملعقتين ، عجبا فيتسائل مع من يجلس هذا وأين ضيفته التي قدمها لي ..؟ يا إلاهي جنّ الرجل إنه يتوهم بوجود أحد في بيته .
يذهب الزائر بشدقيه الواسعين من الذهول و وجهه مرتسم بعلامات استفهام ، ويعود المحبوب إلى وحوريته ريث ما يغلق الباب بعد أن يغادر الزائر ، يعانقها من شدّة الاشتياق ثم يراقصها فتلف حوله وتنظر إليه كفراشة تشتهي الزهر وعيناها تشتعل بريقا كفتيل القنديل ، كم هي جميلة ومدللـة وعندما تغني تتمايل الطيور مرفرفة بجناحيها مطربة .
تعلقت الحورية بمحبوبها فأصبحت تلازمه كالأكل والشرب .
جاءت الحورية يعتريها الغضب تحمل في يدها منجل وعينيها مشتعلة نيرانا من الغيض ، طرقت باب الحبيب بكل ما لديها من عزم ، فرد عليها الاخر بأنه قادم نحو الباب ولكن صبر الحورية ذرته الرياح واصلت بالطرق بمقدمة حذائها وبيديها الاثنتين ، هرع الحبيب ليفتح لها وقلبه يرتجف كالطير المبلل من المطر حاسته السابعة أيقظت خوفه ، عندما وصل إلى عند الباب تأنى بالسير وكأنه يعلم ما سيحل به ، من وراء العازل تكلم معها فسألها بغباء من الطارق .
ببادء الأمر كان فرحا يضحك كالأطفال والبراءة تنهال على صنيعه كالمطر في نصف الشتاء ، ولكن سرعان ما وجد نفسه يختنق وينعزل ان العالم الخارجي ، يعتكف في المنزل وينتظر حضور الحورية بموعدها عند غروب الشمس وشروقها
وفِي يوم حار الكل في منازلهم يحتمون من خيوط الشمس الحارقة
صرخت صرخة كالصاعقة أذهلت الساكنين جواره .
المسكين تلون وجهه من الفزع فعاد بخطاه للوراء يبحث عن مكان للهرب
فتح الباب ليخرسها حتى غرزت طرف المنجل في مقدمة بطنه مما جعله يهاتف الشرطة وبكل ما لديه من قوة يدفع الباب ليبقى مغلقا ، أما الحورية فبدأت بالقهقة فلتت أرصنة ثغرها فضحك عليه مستهترة به ، ما أغباه أنسي أن لا أحد يراها مثله ، لكن هي لم تدفع الفرصة تتبخر من أبريق يديها فأخبرته أن لا أحدا يراها سواه .
أين سيختفي وهي له بالمرصاد ، كسرت قفل الباب ودخلت إلى المنزل تسير وتحطم كل الزجاج من مزهريات ومرايا ، أما المسكين فهو منهمك في البحث عن مخبأ منها ومن جبروتها الذي لم يعهده .
بدأ يكلمها ونسي ألمه وهو يردد أيتها المجنونه ماذا فعلت لك ، لما تبدل حالك هكذا ..؟
ضحكت طويلا وقالت له : (( أنت الذي جنيت على نفسك ، لقد هاتفت امرأة غيري ودعوتها للعشاء )).
قالت : سأريك كيف تتجرأ على الخروج من جدران قلبي وتكلم غيري ، سأجدك حتى لو اختأت في بطن أمك .
قال : أيتها الغبية تلك من أرسلت لها أن تتناول العشاء معي هي أختي ، اشتقت لها منذ زمن لم أقابلها من ذاك اليوم المشؤم الذي أحببتك فيه وأنقطت صلتي بعالمي .
لم تنصت إليه ولم يهما الأمر إن كانت السيدة أخته أو غيرها ، نشبت في أحشائها غيرة أشعلتها نيرانا تحرق الأخضر واليابس .
ومازالت تلحق به وتحطم ما في المنزل وكل ما يعيق سيرها حتى وجدته في خزانة ملابسه ، أمسكت في شعره بكل قوة وكأنها بركان انفجر في الغرفة ألقته أرضا وبدأت تطعن في ساقيه وهو يدافع عن نفسه ، حتى أرسل الجيران سيارة الشرطة لمنزله ، ولكن المجنونة لم يقفها شرطي أو غيره ، والكل يصرخ والحبيب يتوسل اليها أن تتوقف عن طعنه ، دخلت جارة من جيرانه كبيرة في السن قالت : بِسْم الله الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
وتابعت في قراءة القرآن حتى هدأ كل الاعصار الجنوني وكأنه شيء لم يكن .
نقلت الإسعاف الحبيب المغفل إلى المشفى فذهبت السيدة كبيرة السن معه لتقرء المعوذات على الجريح وفِي الطريق قالت له : يا ولدي حبيبتك جنية ليست من بني الانس وانت انشغلت بهذا الامر وأبعدت عن الحياة حتى رافقت واحدة منهم وأغرمت بك ، ابتعد عن ما يضرك واتقي الله لتعود طبيعيا وتجد انسانة تحبك وتحبها .
اعترف لها أنه من مدّة وهذا الامر يشغل باله فاشترى كتابا عن بني الجن ليعرف كيف هم حتى غرق في المعضلة التي كادت أن تودي بحياته للتهلكة ، تاب توبة لا رجعة فيها لهذا الامر وعاد كما كان إنسانا طبيعيا متزن التفكير .
.........
خوله ياسين
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني