هل تشكل عملية نابلس انعطافة نوعية لمسار المواجهة؟
في عملية خاطفة لم تستغرق أكثر من 40 ثانية، أردى مسلحون فلسطينيون حاخامًا صهيونيًا غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، وانسحبوا بهدوء، موجهين صفعة قوية لمنظومة الأمن الصهيوني.
مكان وقوع العملية وتوقيتها، تركت أجهزة الأمن الصهيونية في حالة حيرة وتخبط، وأجبرت رئيس الأركان الصهيوني "غادي أيزنكوت" على الحضور شخصيا إلى منطقة العملية برفقة قادة المنطقة الوسطى.
وتكمن أهمية هذه العملية، في كونها تأتي بعد شهر من تفجّر موجة الغضب الفلسطينية في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، واعتزامه نقل سفارة بلاده إليها.
وإن كانت موجة الغضب قد اقتصرت حتى الآن على أشكال المقاومة الشعبية على نقاط التماس، فإن هذه العملية توجه ضربة لمحاولات قادة الاحتلال إظهار أن الأوضاع على الأرض تحت السيطرة بعد إعلان ترمب.
كما تأتي العملية بعد تصاعد هجمات المستوطنين واعتداءاتهم ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، لا سيما في تجمع قرى جنوب نابلس، وكان أعنفها جريمة قتل الشهيد محمود عودة بدم بارد في أرضه ببلدة قصرة.
نقطة لصالح المقاومة
وتنظر الدوائر الأمنية الصهيونية بخطورة بالغة إلى هذه العملية، وعدّتها نقطة تسجل لصالح المقاومة الفلسطينية.
فقد جاء نجاحها ثمرة لتخطيط محكم، وسرعة في التنفيذ باستخدام مركبة مسرعة، وتمكن المنفذون من الانسحاب بسلام، على الرغم من أن العملية وقعت على مقربة من البؤرة الاستيطانية "حفات جلعاد" وفي منطقة مكتظة بالمستوطنات، ولا تنقطع عنها دوريات الاحتلال.
وتكشف طريقة تنفيذ العملية أن المنفذين مدربون بشكل جيد على إطلاق النار من سيارة مسرعة، وقد استخدموا أسلحة أوتوماتيكية، وأطلقوا 22 رصاصة فقط، وكان تركيزهم على كابينة القيادة.
أما الفشل المضاعف الذي منيت به أجهزة الأمن الصهيونية، فهو نجاح العملية على الرغم من وجود معلومات استخبارية مسبقة لدى الاحتلال تفيد باحتمال وقوع عملية إطلاق نار أو طعن في المنطقة.
وقد أكد موقع (0404) العبري المقرب من جيش الاحتلال، أن الجيش كان لديه معلومات مسبقة عن إمكانية وقوع عملية في المنطقة.
دلالات هامة
العملية ليست الأولى من نوعها في محيط نابلس، وقد أعادت إلى الأذهان عملية "إيتمار" شرق نابلس، والتي نفذتها خلية تابعة لكتائب القسام قبل نحو عامين ونصف، وأسفرت عن مصرع مستوطن وزوجته، وجاءت ردا على جريمة حرق عائلة دوابشة في دوما.
كما تعيد للأذهان عملية قتل حاخام صهيوني على الطريق بين نابلس وطولكرم أواخر العام 2009، والتي نفذتها مجموعة تابعة لكتائب شهداء الأقصى من مدينة نابلس، تم تصفية أفرادها الثلاثة بعد يومين.
ولا تخلو هذه العملية، من دلالات هامة سياسية وميدانية، كما يرى مراقبون تحدثوا لـ "المركز الفلسطيني للإعلام".
فهذه العملية هي أول عمل مخطط للمقاومة في الضفة المحتلة منذ إعلان ترمب، ما يفتح الباب أمام حدوث انعطافة نوعية لمسار المواجهة مع الاحتلال، ويعطيه زخما ودفعة قوية، بعد أن بدا أن نار الغضب بدأت تخفت شيئا فشيئا.
كما تظهر قدرة المقاومة على تنظيم صفوفها والتخطيط والتدرب على تنفيذ عمليات نوعية، بالرغم من الواقع الأمني بالغ التعقيد واستمرار التنسيق الأمني، وإعلان الاحتلال يوميا عن مصادرة كميات من العتاد العسكري ومبالغ مالية ضخمة.
ويقول الخبير بالشأن الصهيوني عماد أبو عواد إن هذه العملية لم تكن خرقا لحال الضفة، التي تشهد منذ العام 2014 موجات متتابعة ومتقاربة من الهبّات، ردا على ممارسات الاحتلال التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى قناعة بضرورة الحراك ضد الاحتلال.
وأشار إلى أن الضفة تشهد في كل عام من الأعوام الأخيرة ما بين 4-5 عمليات نوعية كهذه العملية التي لا تحتاج إلى الكثير من العتاد والإمكانات المادية، وإنما إلى دقة وشجاعة بالتنفيذ.
وأكد أن هذه العملية تثبت أن المقاومة لديها القدرة على الابتكار والتكيف مع التدابير الأمنية للاحتلال، وهذه الحقيقة يدركها الاحتلال.
ويعتقد أبو عواد أن نجاح هذه العملية وفي هذا التوقيت، يمكن أن يكون باعثا للشعب الفلسطيني على المواجهة، وقد تشهد الفترة المقبلة عمليات مشابهة، وربما عمليات نوعية لا يمكن توقع شكلها في الوقت الراهن.
وعدّ أن هذه العمليات تثبت أن الشعب لديه رغبة بالتضحية، لكنه يريد أن يقطف ثمار تضحيته بإنجاز سياسي، وأن يرى أثر تضحيته على الأرض.
المركز الفلسطيني
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني