لا طقوسَ خاصّةَ لديّ عندما يحتلّني التعبُ من فرطِ المسؤوليّاتِ اليوميّةِ الملقاةِ
على عاتقي
كوني أمّاً لثلاثة أطفالٍ في ظلّ ظروفٍ عامّةٍ لا تخفى على أحدٍ
و بالتّأكيد لن أبوحَ بظروفي الخاصّة فلكلّ منّا مساميره التي تستنزفُ ما تبقّى
من روحهِ
لكنّ الفاصلَ الوحيدَ الذي أخلقهُ لنفسي عدّة مرّاتٍ في كلّ يومٍ
هو شربُ فنجانٍ من القهوةِ .
فمنذ اللحظةِ الأولى لاستيقاظي أضعُ ركوتي الصغيرةِ على النّارِ و أنا متلهّفةٌ
لأسمعَ صوتَ غليانِ الماءِ
بينما صوتُ فيروزَ يصدحُ في أرجاء قلبي
( أهواك أهواك بلا أملٍ )
و أنا أتلذّذُ برائحةِ البنِّ بانتظار غليانِ الماءِ ،
أضيفُ البُنَّ إلى الماءِ المغليّ فأشعرُ أنّ رائحةَ القهوةِ تطوفُ كغيمةٍ فوق رأسي لترافقني إلى أنْ أصبَّ فنجاني
و أجلسَ إلى طاولتي الصّغيرةِ في المطبخِ لأبدأ بوضعِ مكياجي المعتادِ
(مرآة ، كحلتي السّوداء ، فيروز ، و قهوة)
هكذا أبدأُ يومي و بعدها تأخذني المشاغلُ اليوميّة داخل البيتِ و خارجهُ و كلّما شعرتُ بالتّعب الجسديّ
أو الرّوحيّ أهرعُ إلى المطبخِ لأكرّر طقسيَ المقدّسَ
قد يطلب منّي أحدُ أطفالي أمراً ما
فأخبرهُ أنّني سألبّيه حالما أنتهي من شربِ قهوتي
و فعلاً فور انتهائي من شربِ القهوة أشعرُ بأنّني استعدتُ قواي المنهارة
و كأنّ شيئاً قد رمّم ما تصدّع
في القلبِ
مع كلّ فنجانِ قهوةٍ أشعر أنّ يومي قد بدأ من جديد حتّى لو كان الوقتُ مساءً !!!
و كلُّ عدّة أيّامٍ أشربُ فنجاناً من القهوة مع جاراتي العزيزات فأراهنَّ يضعنَ
إبريقاً كبيراً من القهوةِ و يشربنَ
عدّة فناجين في الجلسة الواحدةِ
أمّا أنا فلا أستطيعُ شرب أكثر من فنجانٍ واحد في كلّ جلسةٍ فتتعجّبُ
جاراتي و يسألنني :
"ع أساس بتحبّي القهوة ؟!"
فأجيبهنّ :
"لأنّي بحبها بشرب منها فنجان واحد بكلّ قعدة مابحب أحسّ أنّي شبعت منها عالآخر
بدّي ضلني مشتقتلها"
الآن و بعد زيارة كورونا لجسدي و نهبهِ لحاسّتَي الشّمّ و التذوّق لم تعد
تخطرُ القهوةُ على بالي
و لم أشربها منذ عدّة أيّامٍ
فقدتُ حاستَي اللّتين أحببتُ القهوةَ بهما و فقدتُ شهيّتي تجاه حبيبتي
و فقدتُ طقسيَ الحبيبِ
فلا طعم و لا رائحة
بانتظارِ عودةِ إحدى الحواس على الأقلّ
سأبقى من عشّاقِ القهوةِ
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني