طوفان الأقصى..
فضح الغرب الاستعماري بوجهيهما الجديد والقديم
بقلم: مي أحمد شهابي
دخلت ملحمة طوفان الأقصى أسبوعها الثالث معززة كل يوم وبما يقطع الشك باليقين، أن سلطة الكيان التي زُرعت في فلسطين على حساب شعب فلسطين وحقوقه المشروعة. لم تكن إلا مجرد قاعدة متقدمة للغرب الاستعماري، بوظيفة شرطي على المنطقة العربية، يحمي مصالح هذا الغرب ويضمن ديمومته. فأمنت لهذا الكيان كل عناصر القوة والدعم بمختلف أشكاله العسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية والإعلامية، الكفيلة بتأدية هذا الدور على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وأدارت ظهرها لكل مصالح المنطقة وشعوبها، لاسيما منها الشعب الفلسطيني، من خلال الاحتلال المباشر لما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية. وبالترافق مع العمل الحثيث لاستكمال السيطرة الكاملة على الغالبية الساحقة من أرض كنعان. والعمل على تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل سواء من حيث تغول الاستيطان في الضفة والقدس، أو العمل الحثيث للسيطرة على المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وضم القدس الشرقية. وشن أوسع حملات الاعتقال والاغتيالات، واقتحام المدن والبلدات والقرى. وتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم مطبق.
أما في قطاع غزة والذي فرض عليه حصار خانق، حوله إلى أكبر سجن في العالم ل ٢.٢ مليون فلسطيني محرومين من كل الحقوق الإنسانية. وتتحكم سلطة الكيان في تفاصيل حياتهم اليومية، ومختلف حقوقهم الأساسية والتي لا مثيل لها في أنحاء العالم. كل هذا والغرب صامت ويلقي علينا باستمرار عظاته عن حقوق الإنسان. والقانون الدولي دون أن يقوم بأي تحرك عملي، فيما يخص هذه الحقوق (الفلسطينية والعربية). وتوجت هذه السياسات بإنجاز عملية تطبيع مع بعض الدول العربية كخطوة قبل الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية. واستبدل شعار اتفاق مدريد للسلام (الأرض مقابل السلام) بشعار (السلام مقابل السلام). بتجاهل تام لما يجري في الضفة والقطاع من نهوض ومقاومة يومية للاحتلال ومستوطنيه.
وفجأة ودون مقدمات استفاق الجميع داخل الكيان وخارجه عربياً ودولياً على ما لم يخطر لهم حتى في أسوأ كوابيسهم. حيث انهار كل ما عملوا على بنائه على مدى عشرات السنين. إذ ان شرطي المنطقة تحول إلى أرنب متهالك بحاجة لمن يحميه، ليس لاستعادة الدور المنوط به. بل لحمايته من الانهيار. وأمام قوة من المحاصرين في قطاع غزة؛ بات له أسرى بالمئات، ونازحين بعشرات الألاف، وتدك مستوطناته ومدنه من شماله إلى جنوبه بمختلف أنواع الأسلحة المصنعة محلياً رغم كل أشكال الحصار.
الجنون والهلع أصاب الجميع، فهرع الجميع، ومعهم أعتى ترسانة عسكرية في العالم لطمأنته والأخذ بيده كي يتماسك ويعود إلى رشده. بعد انهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر والقاعدة الأمنية الكبرى في المنطقة. والمكان الأفضل للاستثمار. وتلك كلها حسابات صهيونية أوروبية وأمريكية.
وهنا تكشف الوجه الاستعماري على حقيقته. وبدأ التهديد والوعيد. مترافقاً مع أبشع وأكذب حملة إعلامية تكفلت بها الولايات المتحدة من خلال أذرعها الإعلامية الأبرز عالمياً. ومعها الرموز الاستعمارية القديمة، /بريطانيا ألمانيا فرنسا ايطاليا/، وملحاقاتهما من بقية الدول الأوروبية. وفي استعادة فجة للغة الاستعمارية في بدايات القرن العشرين. وعبارات النور مقابل الظلام. والعنصرية القذرة التي لا ترى نفسها إلا من خلال التفوق اللفظي والعدواني على العروبة والإسلام، مترافق مع كل أشكال الكذب والنفاق وتزوير الحقائق. والأهم فصل ملحمة طوفان الأقصى عن كل ماله صلة بالماضي القريب أو البعيد للقضية الفلسطينية، بما أن اسمها الحقيقي وجوهرها قضية شعب يناضل منذ أكثر من ٧٥ عاماً في سبيل دحر الاحتلال ونيل حقوقه المشروعة ككل أمم وشعوب الأرض.
وتمكن هذا التحالف من نشر سرديته التي سبق ذكرها. وبما أن حبل الكذب قصير في هذا العالم المعولم وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، رغماً عن تماهيها في الموقف الغربي. كل ذلك ساعد في كشف الحقيقة لأحرار العالم وشعوبها حتى داخل تلك البلدان وحتى داخل سلطة الكيان نفسها لقطاعات واسعة. وساعد على ذلك هذا الكم الوحشي من الدمار الذي ارتكبته سلطة الكيان والتي دمرت طائراتها الأمريكية أكثر من نصف مباني القطاع، وقطعت عنه الماء والكهرباء والوقود والغذاء والدواء. وقتلت حتى تاريخه 7000 مدني ثلثهم من النساء والأطفال إضافة لأكثر من 20000 جريح وشردت أكثر من مليون غزي يفتقدون إلى المأوى، وكل مقومات الحياة ولا زالت مستمرة في هذه المقتلة. ودمرت 5 مشافي والعديد من المساجد والكنائس وعشرات المخابز وكامل البنية التحتية وقدر حجم ما ألقته طائرات العدو حتى تاريخه بنصف قنبلة نووية. وكل ذلك مترافق مع صمت تام وشامل من هذه الدول التي لا ترى بعيونها الاستعمارية العوراء إلا ما تروج له سلطة الكيان. حتى أن قصف كنيسة المعمدان والكنيسة الكاثوليكية (وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم) لم تحرك مشاعرهم مع الشهداء ال500 الذين استشهدوا داخل مشفى كنيسة المعمدان.
وسبب هذا كله، أن جاءتهم الضربات التالية من شعوب العالم التي كشفت زيفهم ونفاقهم. أكثر من 300000 ألف متظاهر في لندن ومعها بريطانيا وفرنسا والمانيا، وفي عقر دار الولايات المتحدة بمظاهرات امتدت لتشمل دول العالم أجمع تضامناً مع غزة وفلسطين وتنديداً بسياسات حكوماتهم وهم يرفعون أعلام فلسطين. ولم تختلف الصورة في منطقتنا العربية حيث عمت المظاهرات المنطقة بأعداد لا تحصى نصرة لغزة وفلسطين. ومع هذا كله بدأت الحرب تنذر بأن تتحول إلى حرب إقليمية وصراع دولي. ذلك أن شعار وحدة الساحات لمحور المقاومة بدأ يترجم عملياً على الأرض من اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان.حيث تدور المواجهات اليومية وخاصة في الجنوب اللبناني وتتصاعد يومآ إثر يوم، موجهة ضربات مؤلمة للعدو وترغمه على حشد قواته على هذه الجبهة. وبما يخفف الضغط على جبهة غزة. أما في غزة فإن المقاومة هناك تثبت يوماً بعد يوم صلابتها وجهوزيتها ولا زالت تتمتع بكامل قدراتها العسكرية والقيادية وتوجه للعدو يومياً ضربات بمختلف الأسلحة.
صحيح أن مصابنا كبير في غزة وأهلنا يعانون الأمرين من وحشية الاحتلال، وضعف الإمكانات الطبية والغذائية، وفوق ذلك كله جيش الشهداء والجرحى والنازحين. إلا أنهم صابرون وصامدون. ونأمل أن تكون ساعة الفرج قريبة عليهم، ولا نملك إلا أن نحني رؤوسنا وجباهنا أمام تضحياتهم وصمودهم..
ونقول لهم: اصبروا وصابروا.. عشرات ومئات الملايين من أحرار العالم معكم ويتبنى قضاياكم ويفعلون كل مافي وسعهم لإنهاء عذاباتكم.. فأنتم أهل غزة هاشم..
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني