المدمنون على فتات أوسلو
المدمنون على فتات أوسلو |
فلنفرض أنه قد تم اعطاء المفاوض الفلسطيني كامل ما تم ابتداعه في اتفاقية اوسلو -والتي اعتُبر ما جاء فيها كاملَ ما للشعب الفلسطيني من حقوق- فتَسلَّمَ إثر ذلك كاملَ أراضي الرابع من حزيران 1967. فحتى بهذا الفرض فإن أقل ما يقال أن في هذا ظلم كبير، وذلك ببساطة – و دون الخوض في المبادئ الوطنية للشعب الفلسطيني – سيؤدي الى حرمان الفلسطيني مما مساحته 78% من أرضه دون أي وجه حق.
لكن دعونا نعود للواقع الأكثر إيلاماً لنتساءل: ماذا تبقى من اتفاقية أوسلو التي ولدت ميتة أساساً؟
فالاستيطان لم يتوقف منذ توقيعها، حيث نشاهد بشكل دائم الأراضي والمياه التي يتم سلبها من الضفة الغربية، بالإضافة إلى إنشاء المستوطنات وتوطين المستوطنين عليها. إذ وصل عدد المستوطنين الساكنين في الضفة الغربية قرابة المليون مستوطن، موزعين على مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية، بينما الفلسطيني يعيش في مناطق متفرقة ومتقطعة ومكتظة بالسكان، على شكل كنتونات نتيجة سياسة الاحتلال التي تمنع الفلسطيني من إنشاء الأبنية على أرضه في أغلب الأحيان، وكلنا نشاهد جرائم الهدم التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين.
ماذا تبقى من اتفاقية أوسلو؟ والاحتلال منذ يوم توقيعها يعتبر القدس عاصمة له. وتجلى ذلك بالقرارت التي تم على إثرها نقل السفارة الأمريكية وسفارات أخرى للقدس. عدى عن عمليات التهويد وطرد المقدسيين وهدم منازلهم، وجدار الفصل العنصري الذي يمنع الفلسطينيين المقيمين في الضفة من دخول القدس، مما يحرمهم من ممارسة شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى أو في كنيسة القيامة.
إن جدار الفصل العنصري الذي أشيد فوق أجساد وأراضي ودماء وأحلام الفلسطينيين عام 2004 يفترض أن يكون أمراً كافياً لإقناع المفاوض الفلسطيني بأن هذا الصهيوني لا ينوي إعطائه أي شيء.
فبنظرنا لممارسات الاحتلال الإجرامية الاستيطانية التهويدية التي لا تحصى في الضفة الغربية والقدس، نؤمن تماماً أن الاحتلال الصهيوني لا يبدي أي مظهر من مظاهر حسن النية بأنه ملتزم بهذه الاتفاقية، ويوماً فيوماً يزداد تعنتاً، وتجلى هذا التعنت بقرار الكنيست الأخير عندما أجمع أعضاؤه بعدم السماح بدولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967.
و نحن هنا في هذا المقال لا نستغرب من ممارسات الاحتلال غير الملتزم باتفاقية أوسلو – والذي لا يَخفَى على أحد فكرُه الصهيوني التوسعي(الإمبريالي) – بل نستغرب إصرار السلطة الفلسطينية على التمسك بهذه الاتفاقية بكل إخلاص، و قيامها بكل الواجبات المفروضة عليها – من خلالها – على أكمل وجه وبكل تفان و إتقان، رغم إدراكها لتبخر الحقوق نتيجة ما ذكر و ما نراه، و رغم سياسة الاحتلال الواضحة و الصريحة، التي تقول صراحةً و بالخط العريض و بصوت عال أنهم غير ملتزمين باتفاقية أوسلو. وهكذا يحق لنا السؤال البريء التالي، والذي هو: “لماذا؟”
لماذا تستمر السلطة بالتمسك بهذه الاتفاقية؟ لماذا لا تسحب الاعتراف بدولة الكيان؟ لماذا لا تستجيب لدعوات باقي الفصائل الفلسطينية وباقي الأصدقاء الإقليمين التي تدعوا بشكل شبه يومي لتجاوز أوسلو؟
بل لماذا لا تستجيب لمطالب الشعب الفلسطيني بإلغاء هذه الاتفاقية الثقيلة على مسمعه والغليظة على قلبه والتي تجثم كصخرة على جسده؟ ثم ماذا عن حق العودة الذي أُقِرّ في أوسلو، ونحن نعيش في زمن الإبادة و التهجير؟
والسؤال المدهش هو: إذا لم يكن هنالك رغبة لسحب الاعتراف وتجاوز أوسلو، علام كل هذا الإخلاص بتطبيق بنودها بحذافيرها من قبل السلطة – وكأنها نص قرآني -؟؟؟؟
فقد شهدنا هذا بشكل أكبر في زمن طوفان الأقصى بالأخص، في كل من نابلس وجنين و طولكرم،التي تم فيهم استهداف المقاومين و اغتيالهم و أسرهم من قبل هذه السلطة ، عدى عن محاولات إحباط أي عمل مقاوم يستهدف الاحتلال ، هذه السلطة بات للأسف كل من يتناقد مع الاحتلال يتناقد معها و مع أجهزتها .
هل اعتبارنا إقدام السلطة على اغتيال المقاومين و أسرهم و ملاحقتهم و شيطنتهم خيانة و عمالة ، فيه ظلم لهذه السلطة؟! ، إذا لم تكن هذه هي الخيانة و العمالة فما هو معيار الخيانة؟ و ما هو معيار العمالة؟ و نحن نعيش طوفان الأقصى،و أولائك المقاومين الأبطال يدافعون عن أبناء شعبنا الذي يتعرض للإبادة من خلال التصدي للاحتلال و استهدافه؟
و رغم ذلك ، صبر الشعب و المقاومة المجبول بالوعي يجعلهما يبتعدان قدر الإمكان عن أي تصادم مع هذه السلطة لأنه سيحرف البوصلة، و لن يصب إلا في مصلحة الاحتلال..لكن كم سيطول هذا الصبر ، لشعب يدافع عن وجوده و أرضه و مقدساته ؟هذه السلطة تتحمل مسؤولية انجرار الوضع إلى صدام مباشر معها…نتيجة تصرفاتها الخيانية..
و لا نبالغ عندما نقول نتيجة هذه الأعمال و الأفعال الخيانية ، أن هذه السلطة مكون أساسي من مكونات الاحتلال الصهيوني، و جزء أصيل من المشروع الصهيوأمريكي ، وعليه.. فعلى هذه السلطة أن تدرك جيدا تبعات اصطفافها وسلوكياتها التي تخدم الكيان ضد الشعب الحر الذي يلتف وراء مقاومته.
حان الوقت للامتثال لدعوات الشعب الفلسطيني البطل والفصائل الفلسطينية، الذين يخوضون معركة الشرف والكرامة، والالتفاف حولهم، و الكف عن التبعية للاحتلال، وتجاوز أوسلو التي لم يبق منها سوى فتات المناصب السرابية و مكتسباتها .
أبو الأمير -القدس
* عزيزي القارئ *
لقد قمنا بتحديث نظام التعليقات على موقعنا، ونأمل أن ينال إعجابكم. لكتابة التعليقات يجب أولا التسجيل عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق خدمة البريد الإلكتروني